قال مالك بن عمارة اللخمي: كنت أجالس في ظل الكعبة أيام المواسم عبد الملك بن مروان وقبيضة بن ذؤيب وعروة بن الزبير، وكنا نخوض في الفقه مرة وفي المذاكرة مرة وفي أشعار العرب وأمثال الناس مرَّة، فكنت لا أجد عند أحد ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتساع في المعرفة والتصرف في فنون العلم وحسن استماعه إذا تحدَّثت وحلاوة لفظه إذا حدَّث، فخلوت معه في ليلة فقلت: ولله إني لمسرور بك لما شاهدته من كثرة تصرفك وحسن حديثك وإقبالك على جليسك، فقال: إن تعش قليلًا ترَ العيون طامحة إليَّ والأعناق نحوي متطاولة، فإذا صار الأمر إليَّ فلعلك أن تنقل إليَّ ركابك فلأملأنَّ يديك، فلما أفضت إليه الخلافة توجهت إليه فوافيته يوم الجمعة وهو يخطب على المنبر، فلمَّا رآني أَعرَض عني فقلت: لم يعرفني أو عرفني وأظهر نكره، فلما قُضيت الصلاة ودخل ثم ما لبث أن صرخ الحاجب فقال: أين مالك بن عمارة؟ فقمت، فأخذ بيدي وأدخلني عليه، فمد إليَّ يده وقال: إنك تراءيت لي في موضع لا يجوز فيه إلا ما رأيت، فأما الآن فمرحبًا وأهلًا، كيف كنت بعدي؟ فأخبرته فقال: أتذكر ما قلت لك؟ قال: نعم، فقال: والله ما هو بميراث ادَّعيناه ولا إرثٍ ورثناه، ولكن أخبرك مني بخصال سمت لها نفسي إلى موضع ما تراه، حيث إنني ما شمتُّ بمصيبة عدوٍّ قط، ولا أعرضت عن محدِّثِّ حتى ينتهي، ولا قصدت كبيرةً من محارم لله متلذذًا بها، فكنت آمَلُ بهذه أن يرفع لله منزلتي، وقد فعل. يا غلام، بوِّئه منزلًا في الدار، فأخذ الغلام بيدي وأفرد لي منزلًا حسنًا، فكنت في ألذ حال وأنعم بال، وكان يسمع كلامي وأسمع كلامه، ثم دخل عليه في وقت عشائه
وغذائه فيرفع منزلتي ويُقْبِلُ عَليَّ ويحادثني ويسألني مرَّة عن العراق ومرَّة عن الحجاز حتى مضت لي عشرون ليلة، فتغذَّيت مرة عنده، فلمَّا تفرَّق الناس نهضتُ فقال: على رسلك فقعدت، فقال: أي الأمرين أحبُّ إليك؟ المقام عندنا أو الرجوع ولك الكرامة، فقلت: يا أمير المؤمنين، فارقت أهلي وولدي على أن أزور أمير المؤمنين وأعود إليهم، فإن أمرني اخترت رؤيته على الأهل والولد، فقال: لا، بل أرى لك الرجوع إليهم والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار وكسوناك وحملناك، أتراني ملأت يديك؟ فلا خير في من ينسى إذا وعد.
وغذائه فيرفع منزلتي ويُقْبِلُ عَليَّ ويحادثني ويسألني مرَّة عن العراق ومرَّة عن الحجاز حتى مضت لي عشرون ليلة، فتغذَّيت مرة عنده، فلمَّا تفرَّق الناس نهضتُ فقال: على رسلك فقعدت، فقال: أي الأمرين أحبُّ إليك؟ المقام عندنا أو الرجوع ولك الكرامة، فقلت: يا أمير المؤمنين، فارقت أهلي وولدي على أن أزور أمير المؤمنين وأعود إليهم، فإن أمرني اخترت رؤيته على الأهل والولد، فقال: لا، بل أرى لك الرجوع إليهم والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار وكسوناك وحملناك، أتراني ملأت يديك؟ فلا خير في من ينسى إذا وعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق